{من اشهر النساء اليمانيات في التاريخ اليمني الاسلامي } { الملكه السيده اروى بنت احمد الصليحي وحيدة الزمن سيدة ملوك اليمن } بقلم :- زيد محمد حسين الفرح * تولت الحكم في اليمن وكانت – كما وصفها نجم الدين عماره – { وكانت بيضار ، حمراء ، مديدة القامه ، معتدلة البدن والى السمن أقرب ، كاملة المحاسن ، جهورية الصوت ، قارئة كاتبه ، تحفظ الاشعار والاخبار والتواريخ } [ ص 137 – المفيد ] قال المؤرخ بهاء الدين الجندي { .. و كان يقال لها بلقيس الصغرى لرجاحة عقلها وحسن تدبيرها ، وكانت قارئة لكتاب الله ، حافظة لكثير من اشعار العرب ، عارفة بالتاريخ ، تفضل بالمعرفة على كثير من الملوك } [ص 491/ السلوك ]
*وقد دام حكمها 48 سنه ( من 484 – 532 هجريه / 1091 – 1137 م ) وهو عهد طويل تقلبت فيه الاحوال مراراً وتعرضت فيه الدوله للرياح الهوجاء ، ولكن حكم الملكه اروى استمر شاملاً اغلب ارجاء اليمن ، وكانت العاصمه في عهدها مدينة جبله ولها نواب في عدن وحضرموت وصنعاء وتعز واشيح وهمدان ونجران ، وما تزال مآثر عهدها باقية حتى اليوم في اغلب ارجاء اليمن ، وقد استلهمها الشاعر الشيخ محمد احمد منصور في قصيدة قال فيها :-
تلك أروى ، خليفة الله في * الارض ، ولله مثلها الخلفاء
صنعت للبلاد ماعجزت بالامس * عنه ، العمائم البيضاء
ليت اهل اللحى الطويلة تبني * مابنته الظفائر السوداء
وقد بداء عهدها عملياً بتفويض المكرم الامر اليها – عام 477 هجريه – وذلك بعد ان ماتت وفي اوائل عام 477 هـ السيده الكامله اسمأ بنت شهاب ، وكان من الطبيعي ان تاتي السيده اروى من جبله في محافظة اب الى صنعأ في تلك المناسيه لان اسمأ هى التى تولت تربية وتنشئة اروى ويذكر عماره انه لما ماتت اسمأ بنت شهاب { فوض المكرم الامور الى زوجته السيده بنت احمد } هي زوجة علي بن محمد الصليحي ملك اليمن ، ووالدة ابنه الملك المكرم أحمد بن علي الصليحي و كانت زوجة الملك الصليحي اسمأ بنت شهاب تشارك في الحكم قال عماره { كانت اسمأ بنت شهاب الصليحي قليلة النظير فى الجمال معدومة المثل فى الادب والعقل وذات كرم وسؤدد ، وتهب الجوائز الجزيله للشعرأ والصلات الواسعه في سبيل الله وسبيل المرؤة والخير } قال ابو مخرمه { وكانت اسمأ بنت شهاب يقال لها الحره الكامله وكانت كاسمها ذات تدبير ويمدحها الشعراء ويُدعى لها على المنابر فيخطب اولاً للمستنصر ثم للصليحي ثم يقال : اللهم وادم ايام الكامله السيده كافلة المؤمنين }. وقال الذهبي : كانت تركب في مئتي جارية في الحلي والحُلل ومعها الجنائب بسروج الذهب وفيها قال الشاعر الهيثمي قصيدة منها { .. قلت إذ عظموا لبلقيس عرشاً * دست اسماء من ذرى النجم اسما } في عام 473 هـ سار الملك الكامل على بن محمد الصليحي والسيده اسمأ بنت شهاب لادأ فريضة الحج واستخلف المكرم بصنعأ .. فجأ { سعيد الاحول بن نجاح } من جزيرة دهلك في خمسة الاف من حرابة الحبشه فكمنوا للصليحي في منطقة المهجم بتهامه ( على طريق مكه ) حيث استشهد الصليحي في 10 ذي القعده 473 هـ واستولى سعيد بن نجاح على زبيد واعمالها وخطب للعباسيين في بغداد آنذاك ( في ذي القعده 473 هـ ) بويع المكرم بصنعأ ثم سار الى زبيد ( عام 475 هـ ) وفتك المكرم بالاحباش وهرب سعيد الاحول بن نجاح الى جزيرة دهلك .. وعاد المكرم مع والدته اسمأ بنت شهاب الى صنعاء واصحب الخطبه في مساجد اليمن ( من 473 – 477 هـ ) للخليفه المستنصر ثم للملك المكرم ثم للكامله السيده كافلة المؤمنين ( اسمأ بنت شهاب ) وكانت السيده اسمأ بنت شهاب تشارك في الحكم مشاركة واسعه وكانت { لا تستر وجهها لسمو قدرها عمن تحتجب عنه النساء } وكانت فصيحة بليغه وتستشهد في كلامها بشعر المتنبي وغيره من الشعراء كما في اكثر من واقعة مذكورة في كتب التاريخ
ويقول ابو مخرمه {{ فرض المكرم الامر الى زوجته الحره السيده بنت احمد فانفردت بالامر في حياة المكرم وبعد وفاته }} [ ص 9 ] ، وفي عام 477 هـ ( 1084 م ) بعد موت السيده اسمأ بنت شهاب ام الملك المكرم ، عادت ( اروى ) الى صنعاء ، واصبحت الخطبه في المساجد للخليفه المستنصر الفاطمي ثم الملك السيد المكرم ثم للحره السيده ( اروى ) تقول بعض الروايات التاريخيه انه ( في عام 477 هـ ) {{ ارتحلت السيده اروى من صنعأ في جيش جرار وتركت المكرم في صنعأ واستقرت بمدينة جبله }} [ أهـ ] بينما جأ في بعض المصادر ( روضة الحجورى ) مايدل على ان ذلك كان مابين عام 464 هـ وعام 466 هـ وان مسيرها الى جبله كان بمعية المكرم الذي سار بالجيش ( من جبله ) الى عدن في شعبان 467 هـ ..
** وكان سبب ذلك ان { بني معن بن حوشب الكندي } كانوا يحكمون { عدن ولحج وابين وحضرموت والشحر فابقاها على بن محمد الصليحي بايديهم وجعلهم نواباً له ، فلما تزوج المكرم بالسيده اروى جعل الصليحي ارتفاع عدن واعمالها – [ اى ايراداتها وخراجها ] – الى السيده ( اروى ) فكان بنو معن يرفعون ايراد عدن سنوياً مائة الف دينار الى السيده ( والمكرم ) – في جبله – ثم امتنع محمد بن معن عن ادأ ذلك المبلغ وتغلب على البلد فقصدهم المكرم الى عدن }} [ ص 86 ث.ع. ] .. وكان مسير المكرم الى عدن – ( كما جأ في تاريخ الحجوري ) – في شعبان 467 هـ فهرب محمد بن معن الى احور في 30 شعبان 467 هـ ثم صالحه المكرم فاستمر ابن معن والياً لتلك المناطق ويرفع ايرادها الى السيده ( والمكرم ) في جبله الى عام 473 هـ ( وبعد ذلك )
- وفي تلك الفتره ( 473 – 477 هـ ) كان اسعد بن شهاب نائباً للمكرم على زبيد وتهامه – ومعه احمد بن سالم العامل .. وعلى بن القم والد الشاعر الحسين بن القُم شاعر دولة وعهد المكرم – بينما كانت السيده اروى بنت احمد الصليحي زوجة المكرم حاكمة نائبه في جبله واعمالها ، ويرتبط بها ويتبعها عمال مناطق جبله والجند والمعافر ووصاب ورعين وغيرها ، وكذلك بنومعن ولاة عدن ولحج وابين حضرموت كانوا يرفعون ايراد عدن واعمالها الى السيده اروى في جبله وخلال تلك الفتره قامت بتمصير جبله وتحويلها الى مدينة عاصمة المناطق واسعه من اليمن ، وقامت ببناء دار الحكم ( دار العز الاول ) والمسجد الجامع الكبير ( الاول ) والعديد من المنشآت العمرانيه والزراعيه في جبله وفي مراكز الاعمال المرتبطه بها – [ والتى تشمل عدة محافظات اب وتعز وعدن ولحج وابين وغيرها ] – .. اما مخاليف صنعأ الى نجران وبلاد يام فكان عمالها يرتبطون ويتبعون الملك في صنعأ مباشره .. ومنذ حوالى عام 464 هـ ( 1071 م ) الى عام 477 هـ ( 1084 م ) كانت السيده أروى تتولى حكم جبله والمناطق المرتبطه بها – كوالية نائبه للملك الكامل الصليحي ثم لزوجها الملك المكرم الصليحي وفي اوائل عام 477 هـ وفوض المكرم الامور اليها فاقترحت عليه الانتقال من صنعأ الى جبله .. ويُروى انها قالت للمكرم {{ يامولانا ارسل لاهل اعمال صنعأ ليحضروا الى الميدان بصنعأ يوم كذا .. فلما حضرزا قالت له : اشرف عليهم ، انظر ماذا ترى ، فلم يقع طرفه إلا على بروق السيوف ولمعان البيض واسنة الرماح }} .. فلما سار المكرم الى جبله ( عام 478 هـ ) استدعت اهالي اعمال جبله والمناطق المرتبطه بها قالت له {{ انظر يامولانا ماذا ترى فلم يقع طرفه إلا على رجال اقبلوا بالكباش والسمن والعسل والهدايا ، فقالت له : العيش بين هؤلاء اصلح من اولئك }} .. وقام المكرم ببناء ( ادر العز الكبير ) في جبله فاصبح مقراً للحكم ، وقامت السيده اروى بتحويل الدار الاولى مسجداً جامعاً كبيراً .
.. في عام 461هـ - ( كما في تاريخ عماره ) – تزوج المكرم احمد على الصليحي بالسيده اروى بنت احمد الصليحي بمدينة صنعأ ، زوجه اياه والده الملك الكامل على الصليحي .. وقد جأ في مصادر لاحقه ان زواج المكرم بالسيده اروى كان عام 458 هـ .. ولكننا نميل الى تحديدات عماره ، فيكون زواجهما عام 461 هـ .. وتزوجت بالمكرم بن على الصليحي – بمدينة صنعأ – عام 461 هـ ( 1068 م ) قال عماره {{ فولدت السيده ( اروى ) للمكرم اربعة اولاد : محمدا وعليا وام همدان وفاطمه ، فاما محمد وعلي فماتا طفلين بصنعأ ، واما همدان فتزوجها احمد بن سليمان الزواحي وهو ابن خالها فرزقت منه عبد المستعلى وماتت ام همدان عام 510 هـ ، واما فاطمه فتزوجها شمس بن الداعي سبأ بن احمد ، وماتت فاطمه بعد امها ( اروى ) بعامين وذلك عام 534 هـ }} [ أهـ ] - في عام 480 هـ اقنعت السيده اروى زوجها الملك المكرم بالانتقال معها الى جبله فانتقل اليها واختط ( دار العز الكبير ) بجبله .. وسار المكرم الى عدن وازال حكم بني معن واستعمل على عدن واعمالها {{ عباس بن زريع الهمداني ومسعود بن زريع الهمداني واستخلفهما كنواب للسيده اروى يرفعون ايراد عدن واعمالها وموانيها الى السيده في جبله }} ثم عاد المكرم الى صنعأ
- اصبحت السيده اروى هي حاكمة وملكة اليمن .. إما بتفويض الامر اليها من المكرم بصفة كاملة وقد ذكر في تاريخ عماره وثغر عدن ان موت المكرم كان عام 484 هـ ولكنه ترك مسئولية الحكم قبل ذلك وقد دام عهد الملكه السيده اروى بنت احمد زهاء نصف قرن ( 1091 – 1137 م ) وقد تولت السيده اروى الحكم ورسمياً بوفاة المكرم عام 484 هـ ( 1091م ) وكانت لا يخاطبها احد ولاتُذكر في المنابر والوثائق إلا بلقبها { الملكه السيده بنت احمد وحيدة الزمن سيدة ملوك اليمن } اما اسمها الشخصي ( اروى بنت احمد ) فلم يكن يُستعمل ، ولكنه ظل متواتراً عبر الاجيال الى ايامنا .. وقد كتب اليه الخليفه الفاطمي المستنصر بالله – عام 485هـ - كتاباً خاطبها فيه بلقب {{ الحرة الملكه السيده ، وحيدة الزمن ، سيدة ملوك اليمن ، عمدة الاسلام ، خلاصة ذخيرة الدين ، ولية امير المؤمنين ، كافلة اوليائه الميامين }} [ المفيد – عماره – ص 151 ] وهي الملكه الحره السيده أروى بنت احمد بن محمد بن جعفر موسى الصليحى .. ويتصل نسبها الى { همدان بن زيد } ثم الى { كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان } .. وكان مولد أروى بنت احمد الصليحي ( عام 444 هـ / 1052 م ) وكان من معالم عهدها الطويل :-
*إتخاذ مدينة جبله عاصمة للدوله :- كانت مدينة جبله مقر الملكه اروى وعاصمة اليمن في عهدها ، وتتميز جبله بموقعها الفريد فكان {{ يُطل على جبله حصن التعكر الشامخ وجبله في سفحه وهي مدينة بين نهرين ( واديين ) جاريين في الصيف والشتاء }} [ المفيد لعماره ] وتقع جبله بين حصن التعكر – جنوباً – وحصن جبل خدِدْ – ( بناحية جُيش ) – شمالاً – وكانت قلعة خدد وقلعة حصن التعكر من المعاقل الحميريه التليده ، قال الهمداني في الاكليل {{ وقلعة خدد هذه فيها قصر عظيم يقصر عن الوصف ، والقلعة بطريقين على باب كل طريق ماؤه ، فطريق القلعه من جنوبها عليها كريف منحوت في الصفا الاسود وعمقه في الارض خمسون ذراعاً وعرضه عشرون ذراعاً والطول خمسون ذراعاً محجوز على جوانبه بجدار ، والماء الثاني من شمال الحصن في جوبة من صفا كالبئر ، مطوي بالبلاط ودرج ينزل اليه من راس الحصن مسيرة ساعه حتى يؤتى الى الماء }} [ صفة جزيرة العرب للهمداني – ص 143 ] وكان بقلعة خدد واعمالها الامير القائد عبد الله بن يعلى الصليحي – نائباً وقائداً من قادة الملكه اروى – وهو القائل يصف مدينة جبله آنذاك :-
مامصر ، مابغداد ، ماطبرية ، * كمدينة قد حفَّها نهران
خَدِدُ لها شامُ ، وحبُّ مشرق ، * والتعكر السامي الرفيع يمان
وحصن حبّ في جبل بعدان ، شرق جبله ، وحصن التعكر جنوبها ، وهو من المعاقل الحميريه ، قال محمد بن ابان الخنفري :-
وفوق التعكرين لناقصور * تشاييد الشمارخة الطوال
وقيل للملك على بن محمد الصليحي لما اقام فترة في التعكر :-
طالت ذرى تعكر فيها بكونك في * عليائها علماً او في علا علم
قال ابن خلدون {{ وكانت الملكه السيده بنت احمد تأتي التعكر في الصيف وبه ذخائرها وخزائنها ، فاذا جأ الشتاء رجعت الى ذي جبله }}
وفي عام 513 هـ قدم ( ابن نجيب الدوله ) من مصر وتولى بعض المنطق ثم اراد الكيد بالملكه أروى عام 519 هـ بدعوى ( انها خرفت ) فأمرت الملكه اروى امراء اليمن بمحاصرته ثم انقذته بتدبير منها فادرك انها فوق ما كان يظن من الدهأ والذكاء والحكمة والمقدرة على حكم البلاد ، لذلك استمر عهدها حتى وفاتها عام 532 هجريه وتم دفنها فى ضريحها المشهور قرب الجامع الكبير بمدينة جبله .
*سيف الملكه السيده اروى ورجل دولتها :- كان منصب ( سيف الملكه ) اعلى منصب في الدوله ، وقد استحدثت الملكه السيده اروى ذلك المنصب واسندته الى {{ المفضل بن ابى البركات بن العلا بن الوليد الحميري }} فكان المفضل – كما وصفه المؤرخ الجندي – {{ كان المفضل سيف الملكه السيده ورجل دولتها ، ولم يكن في اعيان الدوله من يساميه ولا يساويه ، ولم تكن السيده تقطع امراً دونه ، فبذلك عظم شأنه وعلت كلمته ، وكانت له مكارم ومفاخر .. }} منها شق الطرقات وبناء مسجد الجند وتنفيذ مشروع مياه الغيل من خنوه ( بذي سُفال ) الى مدينة الجند ، بتوجيه من الملكه اروى ، وقال الشاعر ابوبكر اليافعى يذكر مناقب المفضل وتنفيذه ذلك المشروع :-
.. وأقلّ مكرمة له وفضيلة * إجراؤه للغيل في الأجناد
شق الجبال الشامخات فاصبحت * وكأنما كانت ثعاب وهاد
وقال الشاعر مواهب بن جديد المغربي يمدح المفضل :-
يا مالك الدين والدنيا واهلهما * ومن بغرته الاسلام ممتسك
قد قيل جاور لتحظى : البحر او ملكاً * ، وقد فعلت وانت البحر والملك
وكان حصن التعكر المقر الاساسي للفضل بن ابى بركات ، فكان نائباً على التعكر واعمالها ، وكان عمه ابو الفتوح امين بن الوليد الحميري نائباً على حصن تعز واعماله ، وكان المفضل بمثابة قائد الجيش ، وبعثته الملكه اروى الى زبيد عام 504 هـ لمعاضدة منصور بن فاتك –( صاحب ونائب زبيد )- على عمه عبد الواحد ، وكتبت – الملكه اروى – الى زريع ومسعود – نائبي عدن واعمالها – بان ينضما اليه برجالهما الى زبيد فسارا وقاتلا معه في زبيد [ تاريخ ثغر عدن – بامخرمه – ص 87 – وادت المعركه الى مقتل زريع ومسعود – نابئى عدن – في زبيد ، فاسندت الملكه السيده اروى نيابة عدن واعمالها الى ابى السعود بن زريع الهمداني وابي الغارات بن مسعود الهمداني كلا منهما على ما كان يتولى ابوه ، ثم مات ابو السعود بن زريع ( حـ / 510هـ ) فأقرت الملكه السيده تولية سبأ بن ابي السعود ] وعاد المفضل ابن عمه اسعد بن ابى الفتوح بن العلا بن الوليد الحميري بالقيام والذبّ عن مُلكها والتوجه الى حيث أمرته ، فلبث متولياً لحصن صبر وتعز إذ كان ابوه قبله متولياً عليهما ، فلم يزل قائماً بالامور كما كان المفضل حتى مات بحصن تعز سنة 514 هجريه }} [ السلوك – للجندي – ص 498 - ] ثم اسندت الملكه السيده اروى ذلك المنصب الى عمران بن زر الخولاني ، وكان عمران آخر من تولى منصب سيف الملكه الى نهاية عهدها غالباً .
*الفصل بين منصب رئاسة الدوله والزعامه الدينيه
كان الملك على بن محمد الصليحي ثم الملك المكرم احمد بن على الصليحي يجمع بين رئاسة الدوله [ منصب الملك ] وبين الزعامه الدينيه والمذهبيه [ منصب الداعي ] وكانت الزعامة الدينيه والمذهبيه ترتبط بالخليفه الفاطمي في مصر ، فلما ادركت الوفاة الملك المكرم اسند الوصيه بالمُلك ( رئاسة الدوله ) الى السيده اروى وبالدعوه الى سباء بن احمد بن المظفر الصليحي ، صاحب ونائب قلعة أشيح واعمالها ، وكان ذلك باشارة ورأى الملكه اروى للفصل بين رئاسة الدوله ( السياسه ) وبين الزعامه المذهبيه ( الدين ) فوصل التقليد من المستنصر بالله الفاطمي – في مصر – الى سباء بن احمد بن المظفر بمنصب ( الداعي ) فتقلد سباء بن احمد بن المظفر منصب الداعي ومكث اميراً نائباً على مناطق مخلاف الهان ( آنس حالياً ) وما جاورها من اعمال ذمار وجنوب صنعاء وكان مقر نيابة سباء بن احمد حصن أشيح وفيه قال الشاعر ابن القُم :-
إن ضامك الدهر فاستعصم باشيح أو * أزرى بك الدهر فاستمطر بنان سباء
ومات سباء بن احمد بن المظفر عام 486هـ ، فتولى أشيح واعمالها { شمس المعالي على بن سباء بن احمد بن المظفر ، وكانت زوجة شمس المعالي هي فاطمه بنت الملك المكرم والملكه اروى ، ثم تزوج شمس المعالي امرأة اخرى ، فغضبت الملكه اروى بسبب ذلك وأثارت عليه اخوته ثم دبر المفضل ( سيف الملكه ) قتله مسموماً عام 495هـ ، فاضافت الملكه نيابة اشيح واعمالها الى المفضل بن ابى البركات .. واسندت الملكه اروى منصب الداعي الى من تولى المنصب ، وفي عام 513هـ بعث الخليفه الفاطمي بمصر الحاكم بآمر الله ( 495 – 524هـ ) الى اليمن ابن نجيب الدوله ليتولى منصب الداعي فاسندت اليه الملكه اروى منصب الداعي ونيابة مدينة الجند واعمالها ، ثم تمرد نجيب الدوله فحاربته الملكه اروى واخرجته من مدينة الجند ومن اليمن فركب في البحر وغرق ، ولما مات الخليفه الفاطني بمصر الآمر باحكام الله ( عام 524هـ ) وتولى بعده الحافظ ( 524 – 544هـ ) واتى النباء الى الملكه اروى بقيام الحافظ – في مصر – قالت الملكه السيده اروى {{ حسب آل الصليحي ما حملوا من أمر الدعوه ، وأضافت الملكه السيدة أمر الدعوه الى سباء بن ابى السعود الزريعى نائب عدن }} [ السلوك – للجندي – ص 500 ]
*بداية إزدهار عدن في العصر الصليحي
في عهد الملكه السيده اروى بنت احمد تولى نيابة عدن واعمالها الى حضرموت والشحر ، بنو زُريع بن العباس بن الكرم اليامي الهمداني ، {{ وكان اكثر بناء عدن بالاخصاص ( الاكواخ ) لذلك يطرقها الحريق كثيراً }} [ تاريخ ابن خلدون – جـ 4 ] وكان ولاة عدن وجنودهم يقيمون في حصون وقلاع جبال عدن [ تاريخ ثغر عدن – لبامخرمه – ص 86 و88 ] ثم – كما يذكر ابن المجاور الدمشقي – {{ نزل بنو زريع من حصون جبال عدن وسكنوا الوادي وبنوا الدور الملاح ، وهم اول من بنى الدور بالحجر والجص بعدن ، وكان الحجر يجلب الى عدن من اعمال ابين للعماره }} [ المستبصر لابن المجاور الدمشقي – ص 136 ]
وقد اجتمعت نيابة عدن واعمالها للامير سباء بن ابى السعود بن زريع ، ثم اضافت اليه الملكه السيده أروى أمر الدعوه ( الزعامه الدينيه المذهبيه ) واتاه التقليد بمنصب الداعي من الخليفه الفاطمي بمصر . واخذت عدن في الازدهار تحت حكم بني زريع الذي استمر حتى بعد نهاية الدوله الصليحيه والى ان انضوت اليمن في الدوله الايوبيه عام 569 هجريه .
*نهاية الدوله الصليحيه والدوله الفاطميه
في عام 532هـ ( 1137م ) توفت الملكه السيده اروى بنت احمد الصليحي عن عمر ناهز الثمانية والثمانين عاماً ، وكان قد ساد البلاد نوعاً من الحكم اللامركزي الواسع وبات النواب ملوكاً على المناطق التى تحت حكمهم فتفككت الدوله حيث كان من معالم ذلك :-
(*)- ان الملكه السيده اروى بنت احمد اسندت الوصيه بالملك الى المنصور بن المفضل بن ابي بركات الحميري فشمل حكمه مناطق جبله والتعكر واعمالهما وتعز والمعافر واعمال اشيح وغيرها ، بينما استقل بحكم عدن واعمالها الملك الداعي محمد بن سباء بن زريع الهمداني ( 533 – 548هـ ) واستقل بحكم صنعاء واعمالها السلطان حاتم بن احمد الهمداني ( 533 – 550هـ ) وعاد حكم بني نجاح في زبيد وتهامه ، كما ظهر الامام احمد بن سليمان الهادوي ( 545 – 566هـ ) في جهات صعده ومخاليف صنعاء ، وحاربه السلطان احمد بن حاتم الهمداني سلطان صنعاء والمؤرخ نشوان بن سعيد الحميري .
(*)- في عام 547هـ ( 1152م ) تنازل الملك المنصور بن المفضل الحميري عن ملوكية جبله وكافة المدن والحصون والاعمال التى تحت حكمه للملك الداعي محمد بن سباء بن زريع الهمداني صاحب عدن مقابل مبلغ كبير من المال ، قال المؤرخ الجندي {{ وكان ذلك سنة 547هـ بعد موت الملكه السيده بخمس عشرة سنه ، فحينئذ بلغت مدة ملك بني الصليحي .. ( من بداية حكمهم عام 529هـ الى النهايه عام 547هـ ) مائة وتسع عشرة سنه }}
(*)- في عام 545هـ ( 1150م ) قامت دولة بني مهدي بزعامة القيل على بن مهدي الرعينى الحميري وقضى على بني نجاح وشملت دولة بنى مهدي بلاد عسير وتهامه الى جهات ونواحي المعافر وتعز وغيرها الى عام 569 هجريه
(*)- في عام 562هـ كانت الدوله الفاطميه قد انحصرت في مصر وبلغت غاية الضعف وكانت الهجمات الصليبيه والاوروبيه تتواصل في الشام وعلى ساحل مصر ، فاستدعى الخليفه الفاطمى العاضد صلاح الدين الايوبي من دمشق الى مصر عام 562هـ فلما مات العاضد اعلن صلاح الدين الخطبة في مصر للخليفه العباسي في بغداد فانتهت الدوله الفاطميه وانهارات جميع اركانها واشرق عصر الدوله الايوبيه التى شملت اليمن عام 569 هجريه .
( والله الموفق )
*زيد محمد حسين الفرح* zeadalfreh@yahoo.com هاتف سيار 733056106 { الجمهورية اليمنية - وزارة الثقافة – صندوق التراث والتنمية الثقافية - منتدى المؤرخ محمد حسين الفرح }
*وقد دام حكمها 48 سنه ( من 484 – 532 هجريه / 1091 – 1137 م ) وهو عهد طويل تقلبت فيه الاحوال مراراً وتعرضت فيه الدوله للرياح الهوجاء ، ولكن حكم الملكه اروى استمر شاملاً اغلب ارجاء اليمن ، وكانت العاصمه في عهدها مدينة جبله ولها نواب في عدن وحضرموت وصنعاء وتعز واشيح وهمدان ونجران ، وما تزال مآثر عهدها باقية حتى اليوم في اغلب ارجاء اليمن ، وقد استلهمها الشاعر الشيخ محمد احمد منصور في قصيدة قال فيها :-
تلك أروى ، خليفة الله في * الارض ، ولله مثلها الخلفاء
صنعت للبلاد ماعجزت بالامس * عنه ، العمائم البيضاء
ليت اهل اللحى الطويلة تبني * مابنته الظفائر السوداء
وقد بداء عهدها عملياً بتفويض المكرم الامر اليها – عام 477 هجريه – وذلك بعد ان ماتت وفي اوائل عام 477 هـ السيده الكامله اسمأ بنت شهاب ، وكان من الطبيعي ان تاتي السيده اروى من جبله في محافظة اب الى صنعأ في تلك المناسيه لان اسمأ هى التى تولت تربية وتنشئة اروى ويذكر عماره انه لما ماتت اسمأ بنت شهاب { فوض المكرم الامور الى زوجته السيده بنت احمد } هي زوجة علي بن محمد الصليحي ملك اليمن ، ووالدة ابنه الملك المكرم أحمد بن علي الصليحي و كانت زوجة الملك الصليحي اسمأ بنت شهاب تشارك في الحكم قال عماره { كانت اسمأ بنت شهاب الصليحي قليلة النظير فى الجمال معدومة المثل فى الادب والعقل وذات كرم وسؤدد ، وتهب الجوائز الجزيله للشعرأ والصلات الواسعه في سبيل الله وسبيل المرؤة والخير } قال ابو مخرمه { وكانت اسمأ بنت شهاب يقال لها الحره الكامله وكانت كاسمها ذات تدبير ويمدحها الشعراء ويُدعى لها على المنابر فيخطب اولاً للمستنصر ثم للصليحي ثم يقال : اللهم وادم ايام الكامله السيده كافلة المؤمنين }. وقال الذهبي : كانت تركب في مئتي جارية في الحلي والحُلل ومعها الجنائب بسروج الذهب وفيها قال الشاعر الهيثمي قصيدة منها { .. قلت إذ عظموا لبلقيس عرشاً * دست اسماء من ذرى النجم اسما } في عام 473 هـ سار الملك الكامل على بن محمد الصليحي والسيده اسمأ بنت شهاب لادأ فريضة الحج واستخلف المكرم بصنعأ .. فجأ { سعيد الاحول بن نجاح } من جزيرة دهلك في خمسة الاف من حرابة الحبشه فكمنوا للصليحي في منطقة المهجم بتهامه ( على طريق مكه ) حيث استشهد الصليحي في 10 ذي القعده 473 هـ واستولى سعيد بن نجاح على زبيد واعمالها وخطب للعباسيين في بغداد آنذاك ( في ذي القعده 473 هـ ) بويع المكرم بصنعأ ثم سار الى زبيد ( عام 475 هـ ) وفتك المكرم بالاحباش وهرب سعيد الاحول بن نجاح الى جزيرة دهلك .. وعاد المكرم مع والدته اسمأ بنت شهاب الى صنعاء واصحب الخطبه في مساجد اليمن ( من 473 – 477 هـ ) للخليفه المستنصر ثم للملك المكرم ثم للكامله السيده كافلة المؤمنين ( اسمأ بنت شهاب ) وكانت السيده اسمأ بنت شهاب تشارك في الحكم مشاركة واسعه وكانت { لا تستر وجهها لسمو قدرها عمن تحتجب عنه النساء } وكانت فصيحة بليغه وتستشهد في كلامها بشعر المتنبي وغيره من الشعراء كما في اكثر من واقعة مذكورة في كتب التاريخ
ويقول ابو مخرمه {{ فرض المكرم الامر الى زوجته الحره السيده بنت احمد فانفردت بالامر في حياة المكرم وبعد وفاته }} [ ص 9 ] ، وفي عام 477 هـ ( 1084 م ) بعد موت السيده اسمأ بنت شهاب ام الملك المكرم ، عادت ( اروى ) الى صنعاء ، واصبحت الخطبه في المساجد للخليفه المستنصر الفاطمي ثم الملك السيد المكرم ثم للحره السيده ( اروى ) تقول بعض الروايات التاريخيه انه ( في عام 477 هـ ) {{ ارتحلت السيده اروى من صنعأ في جيش جرار وتركت المكرم في صنعأ واستقرت بمدينة جبله }} [ أهـ ] بينما جأ في بعض المصادر ( روضة الحجورى ) مايدل على ان ذلك كان مابين عام 464 هـ وعام 466 هـ وان مسيرها الى جبله كان بمعية المكرم الذي سار بالجيش ( من جبله ) الى عدن في شعبان 467 هـ ..
** وكان سبب ذلك ان { بني معن بن حوشب الكندي } كانوا يحكمون { عدن ولحج وابين وحضرموت والشحر فابقاها على بن محمد الصليحي بايديهم وجعلهم نواباً له ، فلما تزوج المكرم بالسيده اروى جعل الصليحي ارتفاع عدن واعمالها – [ اى ايراداتها وخراجها ] – الى السيده ( اروى ) فكان بنو معن يرفعون ايراد عدن سنوياً مائة الف دينار الى السيده ( والمكرم ) – في جبله – ثم امتنع محمد بن معن عن ادأ ذلك المبلغ وتغلب على البلد فقصدهم المكرم الى عدن }} [ ص 86 ث.ع. ] .. وكان مسير المكرم الى عدن – ( كما جأ في تاريخ الحجوري ) – في شعبان 467 هـ فهرب محمد بن معن الى احور في 30 شعبان 467 هـ ثم صالحه المكرم فاستمر ابن معن والياً لتلك المناطق ويرفع ايرادها الى السيده ( والمكرم ) في جبله الى عام 473 هـ ( وبعد ذلك )
- وفي تلك الفتره ( 473 – 477 هـ ) كان اسعد بن شهاب نائباً للمكرم على زبيد وتهامه – ومعه احمد بن سالم العامل .. وعلى بن القم والد الشاعر الحسين بن القُم شاعر دولة وعهد المكرم – بينما كانت السيده اروى بنت احمد الصليحي زوجة المكرم حاكمة نائبه في جبله واعمالها ، ويرتبط بها ويتبعها عمال مناطق جبله والجند والمعافر ووصاب ورعين وغيرها ، وكذلك بنومعن ولاة عدن ولحج وابين حضرموت كانوا يرفعون ايراد عدن واعمالها الى السيده اروى في جبله وخلال تلك الفتره قامت بتمصير جبله وتحويلها الى مدينة عاصمة المناطق واسعه من اليمن ، وقامت ببناء دار الحكم ( دار العز الاول ) والمسجد الجامع الكبير ( الاول ) والعديد من المنشآت العمرانيه والزراعيه في جبله وفي مراكز الاعمال المرتبطه بها – [ والتى تشمل عدة محافظات اب وتعز وعدن ولحج وابين وغيرها ] – .. اما مخاليف صنعأ الى نجران وبلاد يام فكان عمالها يرتبطون ويتبعون الملك في صنعأ مباشره .. ومنذ حوالى عام 464 هـ ( 1071 م ) الى عام 477 هـ ( 1084 م ) كانت السيده أروى تتولى حكم جبله والمناطق المرتبطه بها – كوالية نائبه للملك الكامل الصليحي ثم لزوجها الملك المكرم الصليحي وفي اوائل عام 477 هـ وفوض المكرم الامور اليها فاقترحت عليه الانتقال من صنعأ الى جبله .. ويُروى انها قالت للمكرم {{ يامولانا ارسل لاهل اعمال صنعأ ليحضروا الى الميدان بصنعأ يوم كذا .. فلما حضرزا قالت له : اشرف عليهم ، انظر ماذا ترى ، فلم يقع طرفه إلا على بروق السيوف ولمعان البيض واسنة الرماح }} .. فلما سار المكرم الى جبله ( عام 478 هـ ) استدعت اهالي اعمال جبله والمناطق المرتبطه بها قالت له {{ انظر يامولانا ماذا ترى فلم يقع طرفه إلا على رجال اقبلوا بالكباش والسمن والعسل والهدايا ، فقالت له : العيش بين هؤلاء اصلح من اولئك }} .. وقام المكرم ببناء ( ادر العز الكبير ) في جبله فاصبح مقراً للحكم ، وقامت السيده اروى بتحويل الدار الاولى مسجداً جامعاً كبيراً .
.. في عام 461هـ - ( كما في تاريخ عماره ) – تزوج المكرم احمد على الصليحي بالسيده اروى بنت احمد الصليحي بمدينة صنعأ ، زوجه اياه والده الملك الكامل على الصليحي .. وقد جأ في مصادر لاحقه ان زواج المكرم بالسيده اروى كان عام 458 هـ .. ولكننا نميل الى تحديدات عماره ، فيكون زواجهما عام 461 هـ .. وتزوجت بالمكرم بن على الصليحي – بمدينة صنعأ – عام 461 هـ ( 1068 م ) قال عماره {{ فولدت السيده ( اروى ) للمكرم اربعة اولاد : محمدا وعليا وام همدان وفاطمه ، فاما محمد وعلي فماتا طفلين بصنعأ ، واما همدان فتزوجها احمد بن سليمان الزواحي وهو ابن خالها فرزقت منه عبد المستعلى وماتت ام همدان عام 510 هـ ، واما فاطمه فتزوجها شمس بن الداعي سبأ بن احمد ، وماتت فاطمه بعد امها ( اروى ) بعامين وذلك عام 534 هـ }} [ أهـ ] - في عام 480 هـ اقنعت السيده اروى زوجها الملك المكرم بالانتقال معها الى جبله فانتقل اليها واختط ( دار العز الكبير ) بجبله .. وسار المكرم الى عدن وازال حكم بني معن واستعمل على عدن واعمالها {{ عباس بن زريع الهمداني ومسعود بن زريع الهمداني واستخلفهما كنواب للسيده اروى يرفعون ايراد عدن واعمالها وموانيها الى السيده في جبله }} ثم عاد المكرم الى صنعأ
- اصبحت السيده اروى هي حاكمة وملكة اليمن .. إما بتفويض الامر اليها من المكرم بصفة كاملة وقد ذكر في تاريخ عماره وثغر عدن ان موت المكرم كان عام 484 هـ ولكنه ترك مسئولية الحكم قبل ذلك وقد دام عهد الملكه السيده اروى بنت احمد زهاء نصف قرن ( 1091 – 1137 م ) وقد تولت السيده اروى الحكم ورسمياً بوفاة المكرم عام 484 هـ ( 1091م ) وكانت لا يخاطبها احد ولاتُذكر في المنابر والوثائق إلا بلقبها { الملكه السيده بنت احمد وحيدة الزمن سيدة ملوك اليمن } اما اسمها الشخصي ( اروى بنت احمد ) فلم يكن يُستعمل ، ولكنه ظل متواتراً عبر الاجيال الى ايامنا .. وقد كتب اليه الخليفه الفاطمي المستنصر بالله – عام 485هـ - كتاباً خاطبها فيه بلقب {{ الحرة الملكه السيده ، وحيدة الزمن ، سيدة ملوك اليمن ، عمدة الاسلام ، خلاصة ذخيرة الدين ، ولية امير المؤمنين ، كافلة اوليائه الميامين }} [ المفيد – عماره – ص 151 ] وهي الملكه الحره السيده أروى بنت احمد بن محمد بن جعفر موسى الصليحى .. ويتصل نسبها الى { همدان بن زيد } ثم الى { كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان } .. وكان مولد أروى بنت احمد الصليحي ( عام 444 هـ / 1052 م ) وكان من معالم عهدها الطويل :-
*إتخاذ مدينة جبله عاصمة للدوله :- كانت مدينة جبله مقر الملكه اروى وعاصمة اليمن في عهدها ، وتتميز جبله بموقعها الفريد فكان {{ يُطل على جبله حصن التعكر الشامخ وجبله في سفحه وهي مدينة بين نهرين ( واديين ) جاريين في الصيف والشتاء }} [ المفيد لعماره ] وتقع جبله بين حصن التعكر – جنوباً – وحصن جبل خدِدْ – ( بناحية جُيش ) – شمالاً – وكانت قلعة خدد وقلعة حصن التعكر من المعاقل الحميريه التليده ، قال الهمداني في الاكليل {{ وقلعة خدد هذه فيها قصر عظيم يقصر عن الوصف ، والقلعة بطريقين على باب كل طريق ماؤه ، فطريق القلعه من جنوبها عليها كريف منحوت في الصفا الاسود وعمقه في الارض خمسون ذراعاً وعرضه عشرون ذراعاً والطول خمسون ذراعاً محجوز على جوانبه بجدار ، والماء الثاني من شمال الحصن في جوبة من صفا كالبئر ، مطوي بالبلاط ودرج ينزل اليه من راس الحصن مسيرة ساعه حتى يؤتى الى الماء }} [ صفة جزيرة العرب للهمداني – ص 143 ] وكان بقلعة خدد واعمالها الامير القائد عبد الله بن يعلى الصليحي – نائباً وقائداً من قادة الملكه اروى – وهو القائل يصف مدينة جبله آنذاك :-
مامصر ، مابغداد ، ماطبرية ، * كمدينة قد حفَّها نهران
خَدِدُ لها شامُ ، وحبُّ مشرق ، * والتعكر السامي الرفيع يمان
وحصن حبّ في جبل بعدان ، شرق جبله ، وحصن التعكر جنوبها ، وهو من المعاقل الحميريه ، قال محمد بن ابان الخنفري :-
وفوق التعكرين لناقصور * تشاييد الشمارخة الطوال
وقيل للملك على بن محمد الصليحي لما اقام فترة في التعكر :-
طالت ذرى تعكر فيها بكونك في * عليائها علماً او في علا علم
قال ابن خلدون {{ وكانت الملكه السيده بنت احمد تأتي التعكر في الصيف وبه ذخائرها وخزائنها ، فاذا جأ الشتاء رجعت الى ذي جبله }}
وفي عام 513 هـ قدم ( ابن نجيب الدوله ) من مصر وتولى بعض المنطق ثم اراد الكيد بالملكه أروى عام 519 هـ بدعوى ( انها خرفت ) فأمرت الملكه اروى امراء اليمن بمحاصرته ثم انقذته بتدبير منها فادرك انها فوق ما كان يظن من الدهأ والذكاء والحكمة والمقدرة على حكم البلاد ، لذلك استمر عهدها حتى وفاتها عام 532 هجريه وتم دفنها فى ضريحها المشهور قرب الجامع الكبير بمدينة جبله .
*سيف الملكه السيده اروى ورجل دولتها :- كان منصب ( سيف الملكه ) اعلى منصب في الدوله ، وقد استحدثت الملكه السيده اروى ذلك المنصب واسندته الى {{ المفضل بن ابى البركات بن العلا بن الوليد الحميري }} فكان المفضل – كما وصفه المؤرخ الجندي – {{ كان المفضل سيف الملكه السيده ورجل دولتها ، ولم يكن في اعيان الدوله من يساميه ولا يساويه ، ولم تكن السيده تقطع امراً دونه ، فبذلك عظم شأنه وعلت كلمته ، وكانت له مكارم ومفاخر .. }} منها شق الطرقات وبناء مسجد الجند وتنفيذ مشروع مياه الغيل من خنوه ( بذي سُفال ) الى مدينة الجند ، بتوجيه من الملكه اروى ، وقال الشاعر ابوبكر اليافعى يذكر مناقب المفضل وتنفيذه ذلك المشروع :-
.. وأقلّ مكرمة له وفضيلة * إجراؤه للغيل في الأجناد
شق الجبال الشامخات فاصبحت * وكأنما كانت ثعاب وهاد
وقال الشاعر مواهب بن جديد المغربي يمدح المفضل :-
يا مالك الدين والدنيا واهلهما * ومن بغرته الاسلام ممتسك
قد قيل جاور لتحظى : البحر او ملكاً * ، وقد فعلت وانت البحر والملك
وكان حصن التعكر المقر الاساسي للفضل بن ابى بركات ، فكان نائباً على التعكر واعمالها ، وكان عمه ابو الفتوح امين بن الوليد الحميري نائباً على حصن تعز واعماله ، وكان المفضل بمثابة قائد الجيش ، وبعثته الملكه اروى الى زبيد عام 504 هـ لمعاضدة منصور بن فاتك –( صاحب ونائب زبيد )- على عمه عبد الواحد ، وكتبت – الملكه اروى – الى زريع ومسعود – نائبي عدن واعمالها – بان ينضما اليه برجالهما الى زبيد فسارا وقاتلا معه في زبيد [ تاريخ ثغر عدن – بامخرمه – ص 87 – وادت المعركه الى مقتل زريع ومسعود – نابئى عدن – في زبيد ، فاسندت الملكه السيده اروى نيابة عدن واعمالها الى ابى السعود بن زريع الهمداني وابي الغارات بن مسعود الهمداني كلا منهما على ما كان يتولى ابوه ، ثم مات ابو السعود بن زريع ( حـ / 510هـ ) فأقرت الملكه السيده تولية سبأ بن ابي السعود ] وعاد المفضل ابن عمه اسعد بن ابى الفتوح بن العلا بن الوليد الحميري بالقيام والذبّ عن مُلكها والتوجه الى حيث أمرته ، فلبث متولياً لحصن صبر وتعز إذ كان ابوه قبله متولياً عليهما ، فلم يزل قائماً بالامور كما كان المفضل حتى مات بحصن تعز سنة 514 هجريه }} [ السلوك – للجندي – ص 498 - ] ثم اسندت الملكه السيده اروى ذلك المنصب الى عمران بن زر الخولاني ، وكان عمران آخر من تولى منصب سيف الملكه الى نهاية عهدها غالباً .
*الفصل بين منصب رئاسة الدوله والزعامه الدينيه
كان الملك على بن محمد الصليحي ثم الملك المكرم احمد بن على الصليحي يجمع بين رئاسة الدوله [ منصب الملك ] وبين الزعامه الدينيه والمذهبيه [ منصب الداعي ] وكانت الزعامة الدينيه والمذهبيه ترتبط بالخليفه الفاطمي في مصر ، فلما ادركت الوفاة الملك المكرم اسند الوصيه بالمُلك ( رئاسة الدوله ) الى السيده اروى وبالدعوه الى سباء بن احمد بن المظفر الصليحي ، صاحب ونائب قلعة أشيح واعمالها ، وكان ذلك باشارة ورأى الملكه اروى للفصل بين رئاسة الدوله ( السياسه ) وبين الزعامه المذهبيه ( الدين ) فوصل التقليد من المستنصر بالله الفاطمي – في مصر – الى سباء بن احمد بن المظفر بمنصب ( الداعي ) فتقلد سباء بن احمد بن المظفر منصب الداعي ومكث اميراً نائباً على مناطق مخلاف الهان ( آنس حالياً ) وما جاورها من اعمال ذمار وجنوب صنعاء وكان مقر نيابة سباء بن احمد حصن أشيح وفيه قال الشاعر ابن القُم :-
إن ضامك الدهر فاستعصم باشيح أو * أزرى بك الدهر فاستمطر بنان سباء
ومات سباء بن احمد بن المظفر عام 486هـ ، فتولى أشيح واعمالها { شمس المعالي على بن سباء بن احمد بن المظفر ، وكانت زوجة شمس المعالي هي فاطمه بنت الملك المكرم والملكه اروى ، ثم تزوج شمس المعالي امرأة اخرى ، فغضبت الملكه اروى بسبب ذلك وأثارت عليه اخوته ثم دبر المفضل ( سيف الملكه ) قتله مسموماً عام 495هـ ، فاضافت الملكه نيابة اشيح واعمالها الى المفضل بن ابى البركات .. واسندت الملكه اروى منصب الداعي الى من تولى المنصب ، وفي عام 513هـ بعث الخليفه الفاطمي بمصر الحاكم بآمر الله ( 495 – 524هـ ) الى اليمن ابن نجيب الدوله ليتولى منصب الداعي فاسندت اليه الملكه اروى منصب الداعي ونيابة مدينة الجند واعمالها ، ثم تمرد نجيب الدوله فحاربته الملكه اروى واخرجته من مدينة الجند ومن اليمن فركب في البحر وغرق ، ولما مات الخليفه الفاطني بمصر الآمر باحكام الله ( عام 524هـ ) وتولى بعده الحافظ ( 524 – 544هـ ) واتى النباء الى الملكه اروى بقيام الحافظ – في مصر – قالت الملكه السيده اروى {{ حسب آل الصليحي ما حملوا من أمر الدعوه ، وأضافت الملكه السيدة أمر الدعوه الى سباء بن ابى السعود الزريعى نائب عدن }} [ السلوك – للجندي – ص 500 ]
*بداية إزدهار عدن في العصر الصليحي
في عهد الملكه السيده اروى بنت احمد تولى نيابة عدن واعمالها الى حضرموت والشحر ، بنو زُريع بن العباس بن الكرم اليامي الهمداني ، {{ وكان اكثر بناء عدن بالاخصاص ( الاكواخ ) لذلك يطرقها الحريق كثيراً }} [ تاريخ ابن خلدون – جـ 4 ] وكان ولاة عدن وجنودهم يقيمون في حصون وقلاع جبال عدن [ تاريخ ثغر عدن – لبامخرمه – ص 86 و88 ] ثم – كما يذكر ابن المجاور الدمشقي – {{ نزل بنو زريع من حصون جبال عدن وسكنوا الوادي وبنوا الدور الملاح ، وهم اول من بنى الدور بالحجر والجص بعدن ، وكان الحجر يجلب الى عدن من اعمال ابين للعماره }} [ المستبصر لابن المجاور الدمشقي – ص 136 ]
وقد اجتمعت نيابة عدن واعمالها للامير سباء بن ابى السعود بن زريع ، ثم اضافت اليه الملكه السيده أروى أمر الدعوه ( الزعامه الدينيه المذهبيه ) واتاه التقليد بمنصب الداعي من الخليفه الفاطمي بمصر . واخذت عدن في الازدهار تحت حكم بني زريع الذي استمر حتى بعد نهاية الدوله الصليحيه والى ان انضوت اليمن في الدوله الايوبيه عام 569 هجريه .
*نهاية الدوله الصليحيه والدوله الفاطميه
في عام 532هـ ( 1137م ) توفت الملكه السيده اروى بنت احمد الصليحي عن عمر ناهز الثمانية والثمانين عاماً ، وكان قد ساد البلاد نوعاً من الحكم اللامركزي الواسع وبات النواب ملوكاً على المناطق التى تحت حكمهم فتفككت الدوله حيث كان من معالم ذلك :-
(*)- ان الملكه السيده اروى بنت احمد اسندت الوصيه بالملك الى المنصور بن المفضل بن ابي بركات الحميري فشمل حكمه مناطق جبله والتعكر واعمالهما وتعز والمعافر واعمال اشيح وغيرها ، بينما استقل بحكم عدن واعمالها الملك الداعي محمد بن سباء بن زريع الهمداني ( 533 – 548هـ ) واستقل بحكم صنعاء واعمالها السلطان حاتم بن احمد الهمداني ( 533 – 550هـ ) وعاد حكم بني نجاح في زبيد وتهامه ، كما ظهر الامام احمد بن سليمان الهادوي ( 545 – 566هـ ) في جهات صعده ومخاليف صنعاء ، وحاربه السلطان احمد بن حاتم الهمداني سلطان صنعاء والمؤرخ نشوان بن سعيد الحميري .
(*)- في عام 547هـ ( 1152م ) تنازل الملك المنصور بن المفضل الحميري عن ملوكية جبله وكافة المدن والحصون والاعمال التى تحت حكمه للملك الداعي محمد بن سباء بن زريع الهمداني صاحب عدن مقابل مبلغ كبير من المال ، قال المؤرخ الجندي {{ وكان ذلك سنة 547هـ بعد موت الملكه السيده بخمس عشرة سنه ، فحينئذ بلغت مدة ملك بني الصليحي .. ( من بداية حكمهم عام 529هـ الى النهايه عام 547هـ ) مائة وتسع عشرة سنه }}
(*)- في عام 545هـ ( 1150م ) قامت دولة بني مهدي بزعامة القيل على بن مهدي الرعينى الحميري وقضى على بني نجاح وشملت دولة بنى مهدي بلاد عسير وتهامه الى جهات ونواحي المعافر وتعز وغيرها الى عام 569 هجريه
(*)- في عام 562هـ كانت الدوله الفاطميه قد انحصرت في مصر وبلغت غاية الضعف وكانت الهجمات الصليبيه والاوروبيه تتواصل في الشام وعلى ساحل مصر ، فاستدعى الخليفه الفاطمى العاضد صلاح الدين الايوبي من دمشق الى مصر عام 562هـ فلما مات العاضد اعلن صلاح الدين الخطبة في مصر للخليفه العباسي في بغداد فانتهت الدوله الفاطميه وانهارات جميع اركانها واشرق عصر الدوله الايوبيه التى شملت اليمن عام 569 هجريه .
( والله الموفق )
*زيد محمد حسين الفرح* zeadalfreh@yahoo.com هاتف سيار 733056106 { الجمهورية اليمنية - وزارة الثقافة – صندوق التراث والتنمية الثقافية - منتدى المؤرخ محمد حسين الفرح }